ما سر إقبال الشباب في ألمانيا على الإسلام؟
لِيا أجهشت بالبكاء عندما تناهى إلى سمعها صوت الأذان لأول مرة، فأيقنت حينئذ أنها وصلت. إيفا وصلت بعد عجز مدرس الدين المسيحي في مناقشات شاقة عن إقناعها بعقيدة الثالوث (الأقانيم الثلاثة الأب، والابن والروح القدس) فجاء إسلامها بالجملة هي وأمها، ولاحقا ابنها وابنتها.
ماكس يقول إن الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة له كانت غزة وعدم قدرته على فهم جلادة أهلها في تحمل هذا الفقد والتماسك رغم كل ما حل بهم وبدينهم والبحث في كتابه عن إجابات. فبدأ يتساءل: ماذا يدور في عقولهم ومن أين لهم بهذه العقيدة؟
سلمان (غير اسمه بعد اعتناق الإسلام) لن ينسى النقاء الذي شعر به فور بدئه بقراءة القرآن بعد رحلة طويلة مع الكحول والمخدرات والتسكع في شوارع برلين النتنة قبل دخول السجن.
لِيا وإيفا وماكس لا يشكلون سوى بضعة نماذج من مئات "المسلمين الجدد" الذين تفيض بهم في الآونة الأخيرة مواقع التوصل الاجتماعي من تيك توك ويوتيوب وإنستغرام وغيرها.
اكتب بالألمانية في موقع يوتيوب (konvertieren zum Islam) لتتفاجأ بآلاف الصور والفيديوهات التي يشرح فيها أصحابها كيف ولماذا اعتنقوا الإسلام وكيف تغيرت حياتهم نحو الأفضل بعد اتخاذ قرار مصيري لا يخلو من العقبات تحديدا عندما يتخذونه في وقت لا يزالون يعتمدون فيه ماليا على الأهل ويعيشون في بيت العائلة بحسب المقولة الألمانية الشائعة (Hotel Mama).
من خلال التعرف على قصص لِيا وإيفا وماكس وعلى الأثر الإيجابي الذي تركه اعتناق الإسلام على حياتهم، يمكن القول إن هؤلاء الثلاثة حالفهم الحظ لأن مواقع التواصل الاجتماعي لا تخلو من الخراف السود.
فوفقا للتقرير الأخير الصادر عن الشعبة الداخلية للمخابرات الألمانية ، "يستخدم مؤثرون متطرفون وسائل التواصل الاجتماعي بمهارة لنشر أفكارهم المتطرفة بين الشباب ويستغلون منصات مثل تيك توك وإنستغرام لاجتذاب المراهقين من خلال محتوى سريع وبسيط ومشوق.
هؤلاء (المراهقون) يتفاعلون مع هذا المحتوى ويشاركونه دون الإدراك بأنهم يرتكبون جرائم يعاقب عليها القانون (Formularbeginn) .
هذه الظاهرة لا تقلق المخابرات الألمانية وحسب، بل إنها تقلق أيضا 2750 مسجدا ومئات المراكز الإسلامية التي تحرص على عدم ترك شباب وشابات مثل لِيا وإيفا وماكس فريسة سهلة للمتطرفين.
دراسة فريدة من نوعها أشرفت عليها المؤسسة المختصة (Mediendienst Integration) تشير إلى أن غالبية المساجد (480 مسجدا) والمراكز (أكثر من 100 مركز) التي شملها المسح كثّفت في الأعوام الماضية استخدامها وسائل التواصل الاجتماعي (تيك توك وإنستغرام وإكس) من أجل الوصول إلى المهتمين علما أن فيسبوك يأتي في المرتبة الأولى من ناحية الاستخدام.
وخلصت الدراسة إلى أن معظم المساجد والمراكز بدأت بالتوجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للتواصل مع الجمهور أثناء انتشار وباء كورونا وإلى أن لمعظمها نظرة إيجابية إلى دور السوشيال ميديا لا سيما "فيسبوك" في التواصل علما أنها تشتكي من نقص الموارد المالية والخبرات والبنية التحتية اللازمة.
ورغم ذلك يستطيع مهتمون مثل لِيا وإيفا وماكس من خلال زيارة مواقع هذه المساجد والمراكز الحصول على معلومات موثوقة باللغة الألمانية حول كل ما يتعلق بالإسلام.
حقائق وأرقام:
ـ يبلغ عدد المسلمين في ألمانيا 5.5 ملايين شخص (قرابة النصف يحملون الجنسية الألمانية).
ـ المسلمون يشكلون 6.6% من العدد الإجمالي لسكان ألمانيا البالغ 83.5 مليون نسمة). أي أن المسلمين يشكلون ثاني أكبر مجموعة دينية بعد المسيحيين.
ـ 52% منهم رجال و48% نساء.
ـ متوسط أعمار المسلمين 32 عاما (متوسط الأعمار في ألمانيا 44 عاما).
ـ 45% منهم ينحدرون من تركيا و27% من بلدان عربية و19% من جنوب شرق أوروبا 9% من أفغانسان وإيران.
ـ قرابة 75% منهم سُنة، بينما تبلغ نسبة الشيعة 4% والعلويين 8%.
ـ "المسلمون الجدد": لا توجد أرقام رسمية حول أعداد المتحولين إلى الإسلام في ألمانيا. بحسب دراسات تتراوح أعداد هؤلاء بين 10 آلاف و100 ألف، بينما تقدر هذه المصادر إسلام من ألفين شخص إلى 4 آلاف في العام.
المصدر: مؤتمر الإسلام (Islam-konferenz) التابع للحكومة الألمانية
الخبراء يتحدثون عن ظاهرة جديدة ويسجلون ارتفاعا كبيرا في أعداد الشابات والشبان الذين يلجؤون إلى مواقع التواصل الاجتماعي من أجل تعريف المتابعين بتجاربهم الشخصية وفي بعض الأحيان دعوتهم لبدء رحلة البحث عن الذات وعن إجابات عن أسئلة بدؤوا لِتَوّهم بالبحث عنها.
فما دور الإعلام الجديد في تعزيز ظاهرة إقبال الشباب الألماني على الإسلام؟
وما أسباب هذا التحول ومن يُقبل أكثر على الإسلام الرجال أم النساء؟
وهل للحرب في غزة أي دور في تعزيز الظاهرة؟
وكيف يتعامل محيط "المسلمين الجدد" والمجتمع مع هذا التحول؟
ولأن العلاقة مع الإسلام تعتبر من أكثر القضايا إثارة للجدل في المجتمع الألماني وفي جميع المجتمعات الغربية، ارتأت الجزيرة نت الإضاءة على جميع هذه الأسئلة من خلال أخذ رأي مختصين اثنين ونقل رأيهما إلى المركز الألماني الإسلامي في برلين (DMZ).
يقول دوغان إنه يلاحظ أن مواقع التواصل أصبحت بمثابة منصة لعرض التجارب الشخصية والروحانية وتحديدا منصة "تيك توك" التي تمنح الشباب مساحة لمشاركة تجاربهم الشخصية مع الدين بشكل علني وغالبا ما يكون ذلك بشكل عاطفي وقريب من القلب.
ورغم أن الخوارزميات ـبحسب دوغانـ "تولي في الغالب أهمية للعاطفة على حساب العمق"، فإنه لا يريد التقليل من أهمية دور السوشيال ميديا في ذلك، لأنها توفر لبعض الشباب فرصة للاهتمام لأول مرة بأسئلة تتعلق بمغزى الحياة والأخلاق والمجتمع.
البروفيسور كورنر يرى أن هناك تحولات بخصوص القناعات الدينية من كلا الاتجاهين. فبينما يجد البعض في هذه المواقع طريقهم إلى الإسلام، يقترب آخرون من المسيحية.
في الوقت ذاته، يعتبر كورنر أن استخدام وسائل التواصل كمنصة لعرض القناعات الدينية أمر مبالغ فيه وصاخب وغير مناسب للتحول الروحي العميق، لأن التعامل مع الدين يتطلب الهدوء والصبر والمزيد من العمق الروحاني.
الموقع المختص في علم الاجتماع (Sozialwissenschaft) يضع دور مواقع التواصل الاجتماعي والمؤثرين بخصوص زيادة الإقبال بين الشباب على اعتناق الإسلام في المرتبة الثالثة.
ويقول إن منصة مثل "تيك توك" يقدم الإسلام للشباب كنمط حياة عصري ويجيب بأسلوب شبابي عن جميع أسئلتهم المتعلقة بحياتهم اليومية.
ولكن "تيك توك" يقدم أيضا أسبابا أخرى لإقبال الشباب على الإسلام في ألمانيا مثل البحث عن مغزى الحياة وعن الانتماء وعن هوية جامعة، حسب موقع (Sozialwissenschaft).
لكل شخص قصة
ولكن ماذا يقول أهل الشأن عن تجاربهم الشخصية مع القرار المصيري؟ لكل شخص تحدثت إليه الجزيرة نت أثناء الإعداد لهذا التحقيق قصة تختلف عن الأخرى.
بالنسبة لأميرة (س) من المركز الألماني الإسلامي (DMZ) كانت حرب البوسنة نقطة الانطلاق إلى البحث عن "شيء أكبر" في حياتها. "كنت، كما تقول، أبحث عن هدف أكبر وأشمل بقيم أعلى لأن حرب البوسنة كانت سببا في فقداني جميع القيم التي عشت من أجلها لأجد في الإسلام مغازي جديدة منحتني الاستقرار".
أمينة (ر) وجدت طريقها إلى الإسلام في الترحال. "تعامل أهل مصر مع دينهم وبساطتهم وطيبتهم، كل ذلك مثّل بالنسبة لي نقطة تحول غيّرت نظرتي إلى الإسلام والمسلمين فقررت أثناء زيارة إلى القاهرة اعتناق الإسلام". حتى أن أمينة تتفاخر بنطق الشهادتين أمام شيخ الجامع الأزهر السابق محمد سيد طنطاوي.
إيمان أندريا رايمان الرئيسة السابقة للمركز والمتحدثة الحالية باسمه ولدت بالقرب من برلين لأب قسيس وقضت نصف حياتها في الكنيسة لدرجة أن تعلقها ببيت الله جعلها تشعر بأنها في بيتها وليس في مكان للعبادة.
تقول رايمان إنها راقبت منذ دخولها مرحلة المراهقة كيف كانت الفتيات التركيات والعربيات والبوسنيات في الجوار وفي المدرسة يتعاملن مع دينهن وكيف كانت بعض الفتيات التركيّات يَعُدن من العطلة الصيفية مرتديات الحجاب.
"بعض الأشياء كانت تروق لي فيما لم تكن تعجبني أشياء وممارسات أخرى" كما تقول. الشعرة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لها كان عثورها على كتاب عن الموت والممارسات المتعلقة بأحد وعود الله عز وجل في الإسلام.
وتضيف: قرأتُ أن الإنسان يُسأل في قبره عن ربه وعن أفعاله، مما دفعني إلى التفكير العميق في هذه الأسئلة وإلى البدء بالبحث عن إجابات عنها لأجد أشفاها في الإسلام، الأمر الذي شكّل بالنسبة لي نقطة تحول في علاقتي مع الدين إجمالا.
وحول رأيها من خلال خبرتها الطويلة في المركز الإسلامي الألماني في أسباب اعتناق الإسلام تقول رايمان إنها تلاحظ أن كثيرين يجدون في الإسلام شيئا كان ينقصهم في حياتهم السابقة وهو ممارسة روحانية واضحة توجه حياتهم اليومية، ومجتمعا جديدا يشعرون فيه بالاحتواء وشمولية ببناء ومعنى واضحين وفي الوقت نفسه تمنحهم هذه الشمولية مساحة كافية للتطور الشخصي.
تضيف أن الشباب يبحثون عن مجتمع يحتويهم سواء في نوادي الرياضة أو المراكز الاجتماعية ولذلك توفر لهم ممارسة الشعائر في المسجد توازنا جيدا في بيئة صاخبة.
شمولية ومسار أخلاقي واضح
مصطفى دوغان يقول إن "كثيرين يشعرون بأن في الإسلام شمولية مميزة" لا يجدونها في أديان أخرى. فالإسلام بحسب المختص يمنحهم فرصة الممارسة الروحية وفي الوقت ذاته يرسم لهم مسارا أخلاقيا واضحا وقبل كل شيء، يعطيهم شعورا قويا بالانتماء وهذا كله يمنحهم نوعا من الاستقرار في مجتمع يغلب عليه عدم اليقين والتفكك والشعور بالإرهاق.
ووفق تجربة دوغان مع "المسلمين الجدد"، أخبره البعض بأنهم يشعرون لأول مرة بالأثر المباشر للإسلام على حياتهم اليومية، الأمر الذي يعتبره المختص "دافعا قويا"، فهم لا يبحثون عن هوية جديدة، بل عن انسجام داخلي أي عن حياة تتناغم مقوماتها مع بعضها بعضا، والإسلام يجتذبهم لأنه يوفق بين الفكر والشعور والسلوك في آن واحد.
زميله كورنر أضاف أسبابا أخرى بعضها يتعلق بالكنيسة والبعض الآخر بالأشخاص أنفسهم. وفق كورنر فالناس يعتبرون الكنائس منظمة بشكل مبالغ فيه ما يجعلها تبدو لهم وكأنها مؤسسات رسمية. فهو يسمع بين الحين والآخر من يقول إن الكنائس تشبه الدوائر الحكومية.
كما اعتبر كورنر أن البعض يبحث عن إجابات شاملة وبسيطة والإسلام يقدم لهم هذا النوع من الوضوح.
الحرب في غزة
ولم يلاحظ الباحثان فقط تنامي اهتمام الشباب في ألمانيا بالإسلام بعد الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة، بل إن جميع المراكز الإسلامية التي تمت زيارتها في إطار البحث في هذا الموضوع تؤكد ذلك وتربط بين الاهتمام بالإسلام في ألمانيا وصبر أهل غزة في التعامل مع كل ما يحل بهم منذ بدء حرب الإبادة.
دوغان يؤكد ذلك ويقول إنه يلاحظ دور الحرب في غزة في زيادة الاهتمام بالإسلام من خلال لقاءاته مع الطلاب ومشاركاته في مشاريع الحوار بين الأديان، ولكنه يوضح أيضا أنه لا يمكن اختزال هذا الاهتمام بالأحداث السياسية وحدها بل في بحث الشباب عن سند نفسي وروحي في عالم يزداد اضطرابا كل يوم.
ويرى دوغان أن الإسلام يقدم بالنسبة لكثيرين إطارا تتكامل فيه الروحانية مع القيم الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية بعيدا عن الحلول السطحية أو الشعارات السياسية. ويشير إلى أن الدافع وراء هذا التوجه غالبا ما يكون بحثا داخليا صادقا لا موقفا سياسيا.
ويوافقه كورنر الرأي ويضيف أن الصور القاسية التي تصل من قطاع غزة تجعل كثيرين يعيدون التفكير من قضية العدالة والقيم الإنسانية ولكنه يؤكد أيضا أن العنف لا يمكن ربطه بدين أو بشعب معين.
"صحيح أن التضامن (مع أهل غزة) يدفع البعض إلى المزيد من التدين ولكن الأمل الحقيقي يظهر فقط حين يكون هذا التوجه نابعا من فهم معاناة الآخر" يضيف المختص في علم الأديان.
هنا يعود دوغان إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي ويقول إن الشباب بحكم نشأتهم في عالم شديد الترابط يتأثرون بعمق بما يتابعونه عبر وسائل التواصل من صور المعاناة والظلم إلى جانب قصص التضامن الإنساني، وهذا كله يثير لديهم أسئلة كبيرة حول المسؤولية والرحمة والعدالة.
كثير من الشباب يسألون: ما معنى العدالة؟ وفي مثل هذه اللحظات يبحثون عن لغة تتجاوز الخطابات السياسية التقليدية وهنا يبرز الإسلام كمنظور يجعل التضامن والتعاطف قيمة مركزية.
المتحدثة باسم المركز الإسلامي الألماني رايمان ترى، مثل الخبيرين، أن الحرب في غزة "تحث الناس على التحدث أكثر عن الإسلام" ولكنها تؤكد أن اعتناق الإسلام طريق أعمق وأطول، يبحث سالكه عن إجابات حول: من أنا؟ وما الذي يمنح حياتي معنى؟ وكيف أعيش؟
ربط الإسلام بالعزلة والتطرف
إن مجرد التفكير في خطوة التحول إلى الإسلام ليس أمرا سهلا في مجتمع تتقاسم معظم سكانه الكنيستان البروتستانتية والكاثوليكية علما أن المجتمع الألماني لا يحسب على الشعوب الأوروبية المتزمتة من الناحية الدينية.
صحيح أن الرجال تتوفر لديهم رفاهية عدم الجهر بانتمائهم الديني كما يفعل البعض، ولكن ارتداء الحجاب بالنسبة للمسلمات الجديدات يضعهن أمام أسئلة غير مريحة تأتي قبل كل شيء من العائلة ولكن أيضا من الأصدقاء والزملاء في العمل.
أمنية (ر) تشعر بالمرارة لأن شقيقها لم يتحدث معها كلمة واحدة منذ اعتناقها الإسلام، ولكنها ضحت رغم ذلك بالعلاقة مع أقرب الناس إليها مقابل سلوكها الطريق الصحيح، كما تقول، في حين تقول رايمان التي تربت في بيت ما زالت الكنيسة تمثل أهم أركانه إن البداية كانت صعبة ليس في العائلة فقط بل أيضا في العمل وفي محيط الأصدقاء.
اللافت فيما تصفه رايمان للتغلب على هذه المشكلة هو أنها حصّنت نفسها بالمعرفة أكثر وأكثر عن الإسلام، لتتمكن من تقديم إجابات منطقية عن جميع استفسارات الفضوليين في محيطها لأن المعرفة، كما تقول، كانت بالنسبة لها أساس إدارة الحوارات المقنعة.
الخبراء والمراقبون يحصرون رد الفعل على اعتناق الإسلام بين الأهل والمدرسة والمجتمع بما يشمل السلطات الحكومية أيضا.
فبينما يتعامل بعض الأهالي مع اعتناق أولادهم الإسلام بطريقة إيجابية تحديدا إذا تغيرت حياة الأولاد نحو الأفضل، يرفض البعض الآخر هذا التحول الجذري في حياة أولادهم، الأمر الذي يدفع البعض إلى عدم الجهر باعتناقه للإسلام وهذا ينطبق كذلك على تعاطي المدارس والمجتمع مع الظاهرة.
فالمسألة لا تتعلق برفض الدين نفسه، بل بالصور النمطية التي تنقلها وسائل الإعلام والتي تربط الإسلام بالعزلة والتطرف، بحسب دوغان.
صحيح أن دوغان يعتبر أن هذه المخاوف مفهومة، لكنها غالبا غير مبررة لأن معظم الشباب، يضيف، الذين يعتنقون الإسلام يفعلون ذلك بدوافع واعية وسلمية.
وينصح دوغان الأهل باللجوء إلى حوار مفتوح مع أبنائهم لأن ذلك يخفف من حدة التوتر معهم ويحول النقاش حول الإيمان إلى فرصة للتقارب. ويشير دوغان إلى أهمية إيجاد مساحات للنقاش حول الدين بعيدا عن الأحكام المسبقة.
كورنر ينصح الأهل كذلك بعدم الذهاب في منحى تصعيدي مع الأبناء وفي الوقت ذاته يحذر من تجاهل إشارات الانعزال عندهم بالقول "إذا أصبح الوصول إلى الابن صعبا فقد يكون من الضروري طلب مساعدة مهنية. هذا ليس عيبا، بل خطوة صحيحة لحماية الفرد والأسرة."
نساء أم رجالا؟
تشير بعض الدراسات في هذا الخصوص إلى أن النساء يُقبلن على الإسلام أكثر من الرجال، ولكن تقديم أرقام موثوقة حول أعدادهن ليس ممكنا.
وهذا ينطبق كذلك على العدد الإجمالي للمسلمين الجدد في ألمانيا. ولأن الحكومة الألمانية لا تقدم إحصاءات عن الأعداد، يبقى اللجوء إلى بعض الدراسات ووسائل الإعلام التي تقدر أعداد المعتنقين للإسلام في ألمانيا بين 10 آلاف و100 ألف، علما أن بعض المصادر تتحدث عن إسلام من ألفين إلى 4 آلاف في العام.
يقول الدكتور مصطفى دوغان في هذا الخصوص إنه من حيث الأرقام، يبدو أن عدد النساء المتحولات إلى الإسلام أكبر من عدد الرجال، لكنني أرى أن هذا أقل أهمية مقارنة بالقصص والدوافع وراء القرار نفسه. سواء كان الشخص رجلا أو امرأة، غالبا ما يبحث كلاهما في الإسلام عن معنى الحياة وقيمها.
ومن خلال تجربته تميل النساء إلى سرد تجاربهن الروحية والشخصية، بينما يركز الرجال في الغالب على المقاربات العقلانية، إلا أن هذا لا يعد قاعدة ثابتة.
الأهم هو أن اعتناق الإسلام نادرا ما يكون قرارا عفويا بل عملية طويلة وصراعا مستمرا مع الأسئلة. وفي مجتمع يُنظر فيه إلى الدين غالبا كمسألة خاصة، تُعد هذه الخطوة شجاعة للغاية خصوصا لأن النساء لا يستطعن إخفاءها.
التعليقات
اضافة تعليق